غزيون على الشاطئ خلال الهدنة للترفيه عن أنفسهم

01 ديسمبر 2023
قليلة هي ساعات الراحة (محمود الهمص/ فرانس برس)
+ الخط -

في مدينة دير البلح المطلة على المخيم، وأمام التلة الكبيرة المعروفة بالنسبة لسكان وسط قطاع غزة، يوجد عدد كبير من النازحين، وخصوصاً على امتداد كل حدود مخيم دير البلح مع الشاطئ. هذه المرة ليس من أجل استخدام مياه البحر للاستحمام وغسل الأواني كما اضطروا في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني، بل للتخفيف عن أنفسهم خلال الهدنة الإنسانية التي انتهت، واستأنف الاحتلال عدوانه أمس.
وصل الناس المجودون في مخيم دير البلح من جميع مناطق شمال القطاع ومناطق مدينة غزة، قاصدين أقاربهم وبعض المدارس في مدينة دير البلح والمخيم. معظمهم اتجهوا إلى شاطئ البحر للجلوس أمامه وشم هواء نقي، بعيداً عن رائحة البارود ورائحة القمامة الكريهة المنتشرة في المكبات المجاورة لهم. وعلى الرغم من طائرات الاستطلاع التي تحلق فوقهم في أي مكان يتجهون إليه، فإنهم اتخذوا البحر متنفساً كما في السابق.
نزحت أمل سلامة (33 عاماً) من شمال قطاع غزة إلى وسط القطاع سيراً على الأقدام مع ابنيها. استطاعت العثور على مكان في غرفة خصصتها إدارة مدرسة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على مقربة من سوق دير البلح للنساء والأطفال، بينما كان الرجال في غرف أخرى.   
سلامة كانت من اللواتي لجأن إلى البحر لغسل الملابس والأواني والاستجمام. لكن نتيجة البرد، باتت تلجأ إليه لغسل الملابس فقط. وتجد كثيرات البحر متنفساً لهن. خلال أيام الهدنة، كانت تتوجه إلى الشاطئ منذ ساعات الظهر وحتى غروب الشمس، وتستمتع وأخريات والأطفال بمشهد الغروب، لافتة إلى أنه المشهد الطبيعي الوحيد الذي لم يدمره الاحتلال الإسرائيلي، هو الذي دمر جميع الحدائق القليلة والمدارس ومدينة الألعاب التي كانت متنفساً للأطفال في منطقة الشمال، بالإضافة إلى روضة سهى التي كانت تحبها.
تقول سلامة لـ"العربي الجديد": "نعيش تلوثاً وضوضاء ونفعل كل شيء داخل المدارس. نشعر بالاكتئاب. يتوجه الناس إلى البحر للاستجمام. في الكثير من الأوقات، يسبح الناس غير آبهين بالبرد. التهدئة التي عشناها لم تكن حقيقية، لأننا لم نتمكن من العودة إلى بيوتنا". 

من جهتهم، عاش الأطفال بعض اللحظات الهادئة. لكن لاحظ عدد من الذين توافدوا إلى الشاطئ وجود سفن حربية على مدى بصرهم. مع ذلك جلسوا على الشاطئ خلال فترة الهدنة، وخصوصاً على مقربة من شاطئ بحر النصيرات وسط القطاع، وشاطئ البحر المطلق أمام بلدة الزوايدة وسط القطاع.
سائد أبو البيض (40 عاماً)، وهو من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وأحد النازحين في مدرسة ذكور النصيرات الإعدادية التابعة للأونروا، يقول إن منطقة شاطئ البحر كانت مرعبة بسبب القصف. لكن خلال الهدنة، توجه الكثير من النازحين إلى الشاطئ. 

يستحم على الشاطئ خلال الهدنة (مصطفى حسونة/ الأناضول)
يستحم على الشاطئ خلال الهدنة (مصطفى حسونة/ الأناضول)

يقول أبو البيض لـ "العربي الجديد": "عشنا أياماً صعبة. في بعض الفصول 80 فرداً، والأولوية للأطفال والنساء. أما الرجال، فيجلسون في الفصول بالأسفل أو في الخيام. نحن باقون وسط قطاع غزة على أمل العودة. سأعود إلى المنزل حتى لو حافي القدمين. ذلك أفضل من مناطق جنوب مدينة غزة. البحر هنا حزين. لو كان بإمكانه الحديث، سيحكي همومنا ويبكي".
في مدينة خانيونس، وخصوصاً في منطقة المواصي غرب شمال المدينة، تزداد حركة الغزيين المتوجهين إلى شاطئ البحر والجلوس أمامه وعلى الرمال خصوصاً. وتعد خانيونس من أكثر المدن التي تشهد اكتظاظاً سكانياً في ظل النزوح الكبير إليها، وخصوصاً المدارس التابعة للأونروا وأخرى حكومية. كما شهدت بعض المناطق المطلة على شاطئ بحر رفح جنوب القطاع خروج البعض إلى الشاطئ للترويح عن أنفسهم.
مشى عزيز الشيخ دياب (35 عاماً) مع أطفاله حافياً على شاطئ البحر، وهو شعور جعله يشعر بالسعادة. أطفاله بدورهم كانوا يركضون على الشاطئ، هم الذين كانوا يعيشون خوفاً مستمراً داخل منزلهم في منطقة المواصي، الذي يضم أكثر من 70 فرداً من النازحين من مدينة غزة، وبعض الأحياء الشرقية للمدينة. 

الشيخ دياب نزح من حي التفاح شرق مدينة غزة إلى منطقة المواصي، وسكن منزلاً كبيراً يعود لأحد زملائه في العمل. جلس أمام شاطئ البحر وهو يتذكر المرة الأخيرة التي زاره فيها برفقة أطفاله، وكيف كانوا يلعبون أمامه في منطقة الواحة أقصى شمال قطاع غزة، وخصوصاً في منتجع بيانكو.
التقطت فرقة من جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء اقتحامها شمال القطاع صوراً أمام منتجع بيانكو، ونشرها أحد حسابات الجيش، كونه من أهم المنتجعات السياحية. شعر حينها بالحزن، هو الذي عاش فيه ذكريات جميلة خلال عطلته في نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي. ويقول الشيخ دياب لـ "العربي الجديد": "أخبرني ابني بأنه ليس لديه زي للسباحة قبل التوجه إلى البحر. ابتسمت وقلت له إننا سنجلبه حين نعود إلى المنزل. ثم سألني متى: قلت له قريباً إن شاء الله. خلال الهدنة، كنت آخذهم للمشي على البحر. عليّ التماسك وقد خسرت منزلي والعديد من أصدقائي وشقيقي في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي".

المساهمون