حصار بيت حانون... تهجير للأهالي بعد عودة مؤقتة

17 ابريل 2024
الدمار كبير في بلدة بيت حانون (فادي الوحيدي/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في بيت حانون بقطاع غزة، عادت العائلات إلى منازلها بعد هدوء نسبي، لكنها واجهت حملة عسكرية إسرائيلية جديدة أدت إلى تهجيرها مرة أخرى، مع تدمير أكثر من 90% من البلدة واستهداف المناطق التي تأوي النازحين.
- السكان تعرضوا للحصار والاعتقالات، وأُجبروا على النزوح مجددًا، حيث تم التنكيل بهم بطرق مهينة، واضطروا للبحث عن الأمان في مدارس ومخيمات بعيدة عن منازلهم المدمرة.
- الحملة العسكرية الإسرائيلية شملت تدمير المدارس التي كانت ملجأ للنازحين، مما اعتبره المكتب الإعلامي في غزة تطهيرًا عرقيًا واستخفافًا بالقوانين الدولية، مما يضع السكان أمام تحديات جديدة في البحث عن مأوى وأمان.

أجبر الاحتلال الإسرائيلي العائلات التي عادت إلى بلدة بيت حانون في قطاع غزة بعد الهدوء النسبي، على التهجير مجدداً، وسط اقتحامات واعتقالات وقصف، علماً أنه كان قد دمر أكثر من 90%  منها.

مرّة جديدة، نزح سكان بلدة بيت حانون بعد تجديد قوات الاحتلال الإسرائيلي حملتها العسكرية على البلدة، والتي تعدّ أول منطقة طاولها الاحتلال، محدثاً دماراً هائلاً فيها، باعتبارها أقرب البلدات إلى السلك الفاصل مع الاحتلال، واستغل عودة بعض النازحين من شمال القطاع إلى البلدة وإقامة معظمهم في مدرستين هما الوحيدتان الناجيتان من القصف الإسرائيلي وسط منازل دمرها بالكامل. 
بدأت الحملة العسكرية منذ مساء الاثنين الماضي، حين راوغ الاحتلال النازحين وسكان البلدة وحاصرهم من كل المناطق المؤدية إلى مخارجها، خصوصاً عند مدرسة تؤوي النازحين، وهي مدرسة مهدية الشوا الحكومية التي تضم مئات النازحين. لكن بعد حصار مشدد وتحقيقات واعتقالات، أجبروا على الخروج سيراً على الأقدام، ومعظمهم من النساء والأطفال.
وتعتبر بيت حانون إحدى أكثر البلدات والقرى التي تعرضت لتطهير عرقي، وتتجاوز نسبة التدمير فيها، استناداً إلى تقديرات المكتب الإعلامي الحكومي، بعد انسحاب قوات جيش الاحتلال منها قبل شهر، أكثر من 90%. دمّر الاحتلال كافة الشوارع والمنازل والمتاجر والأسواق، ويُعد سكانها الأكثر تهجيراً في معظم محافظات القطاع.
كانت مدارس بيت حانون التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ومدرسة مهدية الشوا الثانوية للبنين ومدرسة غازي الشوا، هي الأمل الأخير أمام سكان البلدة للبقاء فيها، بعد عودتهم عقب الهدوء النسبي فيها في فبراير هذا العام. جلسوا في فصولها على أن يبقوا بالقرب من منازلهم المدمرة كجزء من صمودهم. لكن جيش الاحتلال حاصر البلدة وتقدمت جرافاته ودباباته نحو مدارس الإيواء في بيت حانون وحاصرت المدارس التي تضم الآلاف. كما أنشأ مركز تحقيق ميدانيا خلف مدرسة مهدية الشوا على وجه الخصوص، وطلب من الجميع الخروج تحت تهديد السلاح. وأجبرت النساء على خلع الحجاب، وجُرّد الرجال من الملابس، وأجبرت كل العائلات المتواجدة في بيت حانون على النزوح، فيما اعتقل عدد من الشبان.
من بين النساء إيمان المصري، وهي من سكان البلدة وتعد عائلتها من أكبر العائلات. تشير إلى أنها نسيت عدد مرات النزوح، لكثرتها. بداية، نزحت إلى مدينة غزة ومجمع الشفاء الطبي ثم إلى عدد من مدارس منطقة حي النصر والرمال والعودة، وعادت إلى بلدة بيت حانون مطلع الشهر الحالي. تقول إن ما يفعله الاحتلال الإسرائيلي يشبه سيناريو مجمع الشفاء الطبي الذي فاجأ النازحين فيه، لكنه طلب منهم عدم العودة إلى بلدة بيت حانون. وحتى اللحظة، لا تعرف أعداد المعتقلين من رجال العائلة، مشيرة في الوقت نفسه إلى اعتقال اثنتين من نساء العائلة مع الرجال، وتشدد على أن الجميع كانوا مدنيين.

توجّه سكان البلدة إلى مدارس في مخيّم جباليا، وآخرون إلى مدارس على مقربة من منطقة الصفطاوي في الشمال، بالإضافة إلى حي الشيخ رضوان في مدينة غزة، وهو الحي الأقرب إلى شمال القطاع. وتقول المصري لـ"العربي الجديد": "بحثنا كثيراً في المدارس حتى نبقى آمنين. بسبب شدة الخوف الذي عشناه، بحثنا عن مدارس بعيدة عن الشوارع العامة، خوفاً من أن يقتحم الاحتلال المدارس فجأة كما حصل معنا".
تضيف: "كنت أمشي وأبكي بسبب ما عشناه. كان لدى سكان بلدة بيت حانون أعمالهم، كحالنا نحن المزارعين. كنا نملك قطعتين من الأرض الزراعية، وقد دمرهما الاحتلال بالكامل كما دمر بيوتنا. لاحقنا إلى المدرسة التي كنا نحتمي فيها، وهدد بإعدامنا. نحن الآن نازحون من منطقتنا إلى منطقة أخرى، وأخاف أن أعود إلى البلدة فأجدها رماداً بعدما تركناها ركاماً". 

لطالما تعمّد الاحتلال تدمير أراضٍ زراعية ومنشآت مدنية في البلدة (فادي الوحيدي/ الأناضول)
لطالما تعمّد الاحتلال تدمير أراضٍ زراعية ومنشآت مدنية في البلدة (فادي الوحيدي/ الأناضول)

ودان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة تدمير مدرسة بيت حانون التابعة لوكالة أونروا شمالي قطاع غزّة، بعد طرد النازحين منها قسراً، واعتبر أن ما حدث هو أحد أشكال التطهير العرقي الممنهج الذي يمارسه الكيان المحتل، عدا عن استخفافه بالأمم المتحدة وبكل الأعراف التي تُجرّم استهداف المدنيين ومراكز النزوح والمنشآت الأممية، فيما يخطط لتدمير مدارس أخرى أخليت في البلدة.
واعتبر المكتب الإعلامي الحكومي أن الاحتلال يسعى إلى إفراغ مدينة بيت حانون والمنطقة الشرقية من جباليا شمال غزة من سكانها بالكامل، لضمان تواجد آلياته العسكرية فيها. ورُصد تواجد المركبات العسكرية وسط إجبار كل العائلات المتواجدة في بيت حانون على النزوح منها واعتقال عدد من الشبان، وسط قصف عنيف. حتى اللحظة، تتواجد الآليات العسكرية بالقرب من منطقة أبو صفية شرق جباليا وبيت حانون، لمنع أي فرصة لعودة النازحين.
تذكر علا أبوحاطوم، وهي من سكان البلدة، أن الاحتلال لم يدخل مباشرة إلى المدرسة في البداية. وعبر مكبرات الصوت، كان ينادي على الشبان للخروج إليهم بشكل منفرد، علماً أن البعض كان مصاباً ولم يتمكن من التحرك وبقي في المدرسة ينطق الشهادتين. كان الأهالي يتوقعون أن يقتلهم الجيش. اعتقلوا الرجال وطلبوا من النساء السير إلى مصير مجهول".
تتابع أبوحاطوم في حديثها لـ"العربي الجديد": "جُرّد الشباب من ملابسهم أمامنا بصورة قاسية ومحزنة، وأوعز للنساء والأطفال بالتحرك جنوباً خارج البلدة تحت تهديد السلاح الذي كان مصوباً نحونا، بسبب رفض بعض النساء الخروج من دون الرجال. حققوا مع أطفال ذكور وإناث يبلغون 13 عاماً نصف ساعة، ثم سمحوا لهم بالمغادرة معنا". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتوضح أن "من معنا من النساء توجهن جنوباً سيراً على الأقدام نحو مدرسة في مخيم جباليا"، لافتة إلى أن النازحين لم يتمكنوا من حمل الطعام الذي اشتروه قبل التهجير أو الفرش التي اضطروا إلى تركها في المدرسة، وقد علموا أنها دمرت بالكامل. 
وخضع أحمد حنون (19 عاماً) للتحقيق مع الاحتلال، وقد سُئل كثيراً إذا رأى أحداً يحمل السلاح أو قنابل في المنطقة، وهُدّد من الجندي في حال لم يخبره الحقيقة، خصوصاً بعدما أجاب أن جميع من في المدرسة وهم من سكان البلدة لا يملكون أسلحة، ويريدون العيش بأمان وانتهاء العدوان". يقول لـ"العربي الجديد": "اعتقلوا عدداً من النساء، منهم سيدة لم تتحدّث معهم ولم تردّ على أسئلتهم حول أبنائها وزوجها. كانوا يدخلون 5 أفراد معاً، وقد اعتقلوا الكثير من الشبان وسمحوا لعدد قليل فقط بالنزوح جنوباً، وشددوا على ألا نعود مهما حصل إلى البلدة".
يضيف حنون: "لا أعرف أين نذهب. وصلنا إلى مدرسة في بلدة جباليا رغماً عن الخطر القائم في الشمال. أردنا الوجود بالقرب من بلدتنا، حتى لو كانت مدمرة وكذلك منزلنا. بالنسبة إليّ، التهجير في البلدة أفضل من أي مكان آخر. أشعر بالحنين إلى المنزل".

المساهمون