هل اندثر الاتحاد المغاربي؟

26 ابريل 2024
+ الخط -

احتضنت تونس، أخيراً (22 إبريل/ نيسان الجاري)، اجتماعاً ثلاثياً ضمّ رئيسي تونس والجزائر ورئيس المجلس الرئاسي في ليبيا، ضمن سياق عام للتنسيق بين الدول الثلاث، وكانت الرئاسة الجزائرية أعلنت، في الشهر الماضي (مارس/ آذار)، على هامش قمّة الدول المصدّرة للغاز، عقدَ لقاء ثلاثي على مستوى الرؤساء كلّ ثلاثة أشهر، لتنسيق جهود الشراكة والتعاون بين تلك الدول. من الطبيعي أن يطرح هذا اللقاء سؤالاً مشروعاً بشأن غياب كلّ من المغرب وموريتانيا، وإن كان المتابع لأوضاع المنطقة المغاربية يدرك أنّ تشكّل هذه "الترويكا" يأتي في إطار حالة التفكّك والأزمة الحادّة اللتين عرفهما اتحاد دول المغرب العربي.

وتسمية "المغرب العربي" أو "المغرب الكبير" هو المصطلح الذي يستخدمه الجغرافيون للإشارة إلى الجزء الشمالي من أفريقيا، باستثناء مصر، ويستخدمه الفرنسيون للإشارة إلى المنطقة التي خضعت لسيطرتهم الاستعمارية (الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا) التي ضُمّتْ إليها ليبيا، التي احتلتها إيطاليا، بعد الاستقلال. وتستفيد المنطقة من عوامل الوحدة القوّية، لكنّ التطوّرات السياسية والاستراتيجية أثبتت أنّ العلاقات بين الأنظمة ظلّت المعيار الحاسم للتحليل، إذ شهدت تلك البلدان مسارات متباينة للغاية بمجرد انتهاء الهيمنة الاستعمارية.

وقعت البلدان الخمس، في عام 1989، على معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي، غير أنّ كلّ جهود التكامل والسير نحو الوحدة، التي بذلتها دول الاتحاد، ظلّت باهتةً وشكليةُ في أحسن الأحوال. أحد الأسباب المهمّة لذلك هو التنافس السياسي الإقليمي بين المغرب والجزائر، رغم أنّهما جارتان، إلا أنّ العلاقات بين البلدين كانت متوتّرة في غالب الأوقات، على خلفية النزاع حول قضية الصحراء، وانقطاع العلاقات بين الطرفين، وهو أمرٌ كان له تأثير سلبي على نشاط الاتحاد، فلم يجتمع مجلس رؤساء الدول منذ 1994، ونادراً ما يفعل المجلس الاستشاري (150 ممثلاً معيّناً). علاوة على ذلك، الإطار القانوني، كما حدّدته المعاهدة، ضعيف؛ فالقرارات كلّها تقع على عاتق مجلس رؤساء الدول، وتتطلّب الإجماع. في غياب مجلس برلماني مغاربي ومحكمة عدل عليا لدول الاتحاد، لم توقّع إلا في ديسمبر/ كانون الأول 2013 اتفاقية إنشاء بنك مغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية. وتبذل الأمانة العامة ما في وسعها بموارد محدودة للغاية، فالدول الأعضاء لا تسدّد اشتراكاتها بانتظام. وفي 2012، انتهت عملية إعادة إطلاق التعاون المغاربي، فهي تظلّ أولوية سياسية تُعلن بانتظام، ولكنّها من دون نتائج عملية على الأرض.

فشلت كلّ الجهود في إيجاد الآليات اللازمة لبناء الثقة بين الأنظمة المغاربية المتناقضة في التوجّهات والأهداف، وحتى التحالفات

بعد اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011، حصلت محاولة لإعادة الروح إلى الاتحاد المغاربي، وقد سعى الرئيس التونسي آنذاك، المنصف المرزوقي، في 2012، إلى غرس روح الوحدة التي جرى إحياؤها في الأيام الأولى للربيع العربي في اتحاد المغرب العربي، إلا أنّ الجهود المبذولة كلها فشلت في إيجاد الآليات اللازمة لبناء الثقة بين الأنظمة المغاربية المتناقضة في التوجّهات والأهداف، وحتى التحالفات. في يناير/ كانون الثاني 2017، أعلن العاهل المغربي، محمد السادس، نهاية مشروع الوحدة المغاربية، عندما أكّد أمام رؤساء الدول الأفريقية، في القمة الـ28 للاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، أنّ "شعلة اتحاد المغرب العربي قد انطفأت، في ظلّ غياب الإيمان بمصير مشترك"، واستطرد: "إنّ الحلم الذي ناضل من أجله جيل الرواد في الخمسينيات من القرن الماضي يتعرّض اليوم للخيانة". حتى وإن لم يُعلن رسمياً حلّ الاتحاد، فإنّه من الناحية الواقعية لم يعد فاعلاً في ظلّ المشهد الجيوسياسي الحالي، المتصلّب، الذي تشهده منطقة المغرب العربي، والذي تمزّقه بشكل متزايد المصالح المُتعدّدة والمُتباينة، ولا تزال الدولتان الكبريان القادرتان على ترسيخ الوحدة المغاربية تُصعّدان خلافهما. فالمغرب والجزائر لا يتّفقان على أيّ شيء تقريباً، وقد تفاقمت بينهما الخلافات والاتهامات المتبادلة. ولسوء الحظ، يبدو أنّ شياطين خلافهما البينيّ قد امتلكوا تدريجيّاً جمهورهم الخاص الذي يتهم بعضه بعضاً بشكل متواصل بما يتجاوز المجال السياسي إلى منتديات وسائل التواصل الاجتماعي، والأحداث الرياضية والترفيهية.

إنّ محاولة بناء حلف ثلاثي يضمّ الجزائر وتونس وليبيا، على أهميته، لا يُغني عن ضرورة إعادة الروح لفكرة الوحدة المغاربية، ورغم الخلافات الحالية، التي قد يبدو من غير الممكن مجاوزتها، قد يكون من الضروري أن نتعلم من الدرس الأوروبي، فكما أنّه لم يكن من الممكن تصور إنشاء اتحاد أوروبي بسبب الصراعات الحدودية والتاريخية، التي كانت قائمة بين أعضائه، بنفس الطريقة، يتعيّن علينا ألا نستسلم لتقسيم بلدان المغرب العربي إذا لم تنجح في بناء وحدتها حالياً، وإنما ينبغي المضي قدماً على مراحل، والتمسك بما هو ممكن، وقبل كلّ شيء، البدء بإزالة العقبات التي تجعل، حالياً، كلّ جهود التقارب والمواءمة الاقتصادية تذهب سدى.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.