عنصرية هاريسون فورد والسذاجة السياسية

عنصرية هاريسون فورد والسذاجة السياسية

03 مايو 2024
+ الخط -

انتشر أخيرا على وسائل التواصل الاجتماعي كلام مُقتطع من خطابٍ طويلٍ للممثل الأميركي هاريسون فورد، يصف فيه الشباب في حراكهم السياسي بـ"الجيش الأخلاقي للبلاد الذي خذلناه، ويجب ألا نقف بعد الآن في طريقهم... إنّهم القوّة الطبيعية الغاضبة التي تتحرّك في العالم". وتداول نشطاء عرب كلام فورد بوصفه كلاماً داعماً للحراك الطلابي الأميركي في الجامعات الأميركية، المتضامن مع القضية الفلسطينية والمناهض للحرب الإسرائيلية على غزّة. وطبعاً، استُقبِل هذا الكلام، عربياً، بمزيد من التهليل والترحيب بوصفه مكسباً جديداً لفلسطين، سيّما أن الكلام لشخصية شهيرة مُؤثّرة بحجم هاريسون فورد. لكنّ الحقيقة أنّ هذا الكلام كان قد قيل في سياق مختلف تماماً، وفي مناسبة قديمة لا علاقة لها، لا من قريب ولا من بعيد، بالحراك الطلابي الحالي. قيل هذا الكلام في 2019، في أثناء قمّة المناخ في مقر الأمم المتّحدة، التي شهدت حراكاً شبابياً غاضباً مدعوماً من مشاهير العالم، ومنهم فورد.

أمّا سبب استعادة كلام هاريسون فورد (ممثل ومنتج وكاتب يهودي أميركي) حالياً، فهو بلاغة كلامه في التعبير عن حال المعتصمين والمحتجّين مع الحكومة الأميركية، التي تعمل على قمع حراكهم اليومي بطرائق تتعارض والآليات الديمقراطية التي لطالما كانت حكومة الولايات المتّحدة تتباهى بها، وبأساليب تتنافى مع حقّ التظاهر والاعتراض، الذي يكفله الدستور والقوانين المنبثقة عنه، لكنّ فورد لم يقله مطلقاً في السياق الراهن، ولم يصدر عنه أيّ موقف مُعلن تجاه الحراك الطلابي. وفورد ليس مُرشّحاً، حتماً، لمناصرة الحركة الطلابية الحالية المؤيّدة لفلسطين، ذلك أنّ له تصريحات ومواقف عديدة أظهر فيها عنصرية بالغة السوء تجاه العرب والمسلمين والفلسطينيين. ورغم ادّعائه المتواصل بأنّه غير معني بالسياسة، إلا أنّه عبّر، غير مرّة، عن عدائه الشديد للعرب والمسلمين، معتبراً أنّ "إبادة العرب ضرورية لأنّهم سوف يدمّرون العالم إن كانت لديهم قوة كامنة" (!) كما أنّه يَعتبر العرب "مخلوقات أكثر قذارة من الحيوانات، ونحن اليهود، الشعب المختار يجب عدم مقارنتنا بهم". ورغم أنّ تصريحاته هذه كانت في أثناء الحرب الإسرائيلية على غزّة في عام 2009، لا خلال الحرب الحالية، إلا أن لا شيء يدلّ على تغيير مواقفه، فمن كان يحمل هذا المقدار من العنصرية والاستعلاء الديني والحضاري لن يتحوّل، يوماً، إلى داعية سلام، خصوصاً أنّ لا شيء قد تغيّر في الصراع العربي الإسرائيلي، كما أنّ الدعاية ضدّ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر (2023) زادت في عنصرية العنصريين ضدّ العرب، واستخدمت المظلومية اليهودية التاريخية للحشد ضدّ الفلسطينيين، وتبريراً للحرب المجنونة على غزّة.

هناك مواقف متعدّدة في التظاهرات الطلابية المُؤيّدة لفلسطين في الجامعات الأميركية، رغم نبلها وإنسانيتها، تدلّ على شيء من السذاجة السياسية، وعدم فهمٍ لتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وتشعباته وتركيبه وتداخلاته كلّها، منها استخدام كلام فورد في غير موقعه، ومنها تجيير الحراك لمصلحة إيران ومليشياتها الطائفية، من دون أيّ اعتبار لما فعلتاه اثنتاهما، في العراق وسورية ولبنان، وكأن الاثنتي عشرة سنة الماضية، بكلّ ما فيها، مقتطعة من تاريخ الصراع العربي الفلسطيني، وكأنّ الإجرام الذي يحصل في حقّ الشعوب ليس بفعل شراكةٍ غير معلنةٍ بين إيران وإسرائيل وأنظمة الاستبداد العربية الحاكمة. وكأنّ الشعوب العربية الأخرى، التي دفعت على مدى عقود أثماناً باهظة باسم قضية فلسطين، والتي تقتل يومياً منذ 2011 بسبب المصالح والطموحات الإيرانية، هي لا شيء في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. وفي الحقيقة، ليست هذه فقط سذاجة سياسية لدى الحراك الطلابي الأميركي، بل جهل يُعيد الصراع إلى مربّع خطير، إلى ما قبل "الربيع العربي"، ما يعني تبييضاً جديداً لصفحة أنظمة الإجرام في الشرق الأوسط، واستعادة ثنائية الخير والشر في الصراع العربي الإسرائيلي، وهي الثنائية التي كشف "الربيع العربي" زيفها حين فضح الدعم الإسرائيلي الكامل لأنظمة الاستبداد في الدول المجاورة لفلسطين المحتلّة أو المترابطة معها.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.