حملات تهاوي الدولار في مصر... هل يكتب لها النجاح؟

حملات تهاوي الدولار في مصر... هل يكتب لها النجاح؟

25 ابريل 2024
اختفاء السوق السوداء للعملة في مصر (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في مصر، انطلقت حملة غامضة تتوقع تراجع سعر الدولار إلى 40 جنيها، وسط استقرار السوق وغياب السوق السوداء، مما أثار تساؤلات حول الجهات وراء الحملة وأهدافها.
- الحملة تأتي في ظل توقعات بحصول مصر على دفعات مالية دولية، رغم التحديات المالية الكبيرة والتزامات خارجية تواجهها البلاد، مما يشكك في إمكانية تحقيق تراجع كبير في سعر الدولار.
- يُنظر إلى الحملة على أنها قد تحقق نجاحاً قصير الأمد بدعم من إجراءات أمنية، لكن الأفضل هو ترك سوق الصرف يتحرك وفق العرض والطلب لتجنب التلاعب بالسوق وآثاره السلبية على الاقتصاد.

المواطن يتحسس دولاره عندما يرى أن هناك من يحاول خداعه والتلاعب به مرة تلو الأخرى وتكبيده الخسائر، وذلك على غرار أن الجندي يتحسس مسدسه عندما يشعر بأي خطر قادم نحوه حتى ولو كانت مجرد فرقعة في الهواء، وهذا ما يحدث في مصر هذه الأيام، فقد انطلقت قبل أيام حملة تتوقع تراجع سعر الدولار إلى 40 جنيها وربما أقل خلال الفترة القليلة المقبلة.

حملة غامضة، لا أحد يعرف من يقف خلفها، ولماذا تنطلق الآن في الوقت الذي تشهد فيه سوق الصرف الأجنبي استقرارا نسبيا وملحوظا مع غياب تام لنشاط السوق السوداء غير الرسمية في ظل تدفق مليارات الدولارات على مصر منذ شهر مارس الماضي؟

وهل لدى أصحاب الحملة مخاوف حقيقية من عودة سعر الدولار للارتفاع مرة أخرى واحداث هزة جديدة في الأسواق وأنشطة الاقتصاد، وبالتالي يطلقون حملة مضادة لإجهاض هذه العودة المحتملة ووأدها في مهدها؟

حملة غامضة، لا أحد يعرف من يقف خلفها، ولماذا تنطلق الآن في الوقت الذي تشهد فيه سوق الصرف استقرارا ملحوظا مع غياب تام لنشاط السوق السوداء

أم أن الحملة تهدف إلى خفض قيمة العملة الأميركية الذي شهد زيادة طفيفة في الأسابيع الماضية في إطار حملة حكومية متواصلة وشاملة تسعى وبكل الطرق إلى خفض أسعار السلع الأساسية سواء الغذائية أو الكهربائية والمنزلية، حتى لو من خلال الضغط على التجار والحملات الإعلامية المكثفة التي تتحدث ليل نهار عن تهاوي الأسعار.

الملاحظ أن الحملة الحالية التي تداولتها بعض الصحف والمواقع والفضائيات تقوم على معطيات ومؤشرات بعضها حقيقي والأخر غير حقيقي، أو على الأقل مبالغ في تداعياته المتوقعة على أنشطة الاقتصاد وأسواق السلع والخدمات والإيرادات الدولارية.

من بين تلك المعطيات توقعات حصول مصر على الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي والبالغة قيمتها نحو 835 مليون دولار في نهاية شهر يونيو/حزيران أو بداية شهر يوليو/تموز المقبلين عقب اعتماد الصندوق المراجعة الثالثة للبرنامج الاقتصادي التي تقدمت بها الحكومة المصرية، ووصول الدفعة الثانية من قيمة صفقة مشروع رأس الحكمة من قبل الإمارات، وتوقعات وصول أجزاء من منحة ومساعدات الاتحاد الأوروبي، وشرائح من قروض دول ومؤسسات أخرى منها البنك الدولي وبريطانيا واليابان.

معظم تلك التوقعات وغيرها صحيح، لكن في المقابل فإن مصر عليها التزامات خارجية قد تفوق قيمتها قيمة الأموال الدولارية المتدفقة، فهناك أعباء الواردات الخارجية خاصة من القمح والغذاء والوقود والغاز وقطع الغيار والسلع الوسيطة.

وهناك أقساط الديون المستحقة على الدولة سواء لصندوق النقد أو الدائنين الآخرين ومنهم أصحاب السندات الدولية، وهناك خطة سداد مستحقات شركات البترول العالمية في مصر، وأخرى لتغطية فجوة أرصدة النقد الأجنبي في البنوك والتي تقترب من 30 مليار دولار.

السيولة الإضافية الناتجة عن القروض والمنح والاستثمارات الجديدة والتي سيكون متاحا ضخها في سوق الصرف قد لا تكون كافية لدفع سعر الدولار للتراجع بقوة

وهناك الأرباح الرأسمالية للشركات الأجنبية العاملة في مصر والتي يتم تحويلها للخارج إما في يوليو أو يناير من كل عام، والأخطر الأموال الساخنة التي تدفقت على الدولة وبلغت قيمتها 17 مليار دولار خلال أسابيع قليلة.

وبالتالي فإن السيولة الإضافية الناتجة عن القروض والمنح والاستثمارات الخارجية الجديدة والتي سيكون متاحا ضخها في سوق الصرف الأجنبي قد لا تكون كافية لدفع سعر الدولار للتراجع بقوة ليتراجع من أكثر من 48 جنيها إلى أقل من 40 جنيها، إلا في حال حدوث تحسن ملحوظ وقوي في موارد مصر من النقد الأجنبي خاصة من قطاعات حيوية مثل الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج والسياحة والاستثمارات المباشرة وقناة السويس وصادرات الغاز.

موقف
التحديثات الحية

وهذا الأمر من الصعب تحققه في القريب العاجل في ظل استمرار المخاطر الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط والناتجة عن استمرار حرب غزة والتوتر بين إيران وإسرائيل وهجمات الحوثي على السفن في البحر الأحمر والتي أثرت سلبا على قناة السويس، وعودة مصر لسوق الغاز العالمي لاستيراد كميات منه لتغطية احتياجات أشهر الصيف، خاصة تلك المطلوبة لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء.

على كل فإن مثل تلك الحملات التي انطلقت في مصر قبل أيام قد لا يكتب لها النجاح على المستوى المتوسط والبعيد، ربما يكتب لها النجاح على مستوى القريب خاصة إذا ما صاحبتها حملات أخرى منها استخدام القبصة الأمنية في ضبط سوق الصرف وقمع المضاربين وتجار العملة وملاحقة السوق السوداء.

الأفضل هو أن نترك سوق الصرف وسعر العملات الأجنبية تتحرك بشكل طبيعي ووفق آليتي العرض والطلب ودون تدخل إداري أو حملات إعلامية موجهة

مع استخدام الحملات النفسية لتخويف شريحة من حائزي الدولار الذين لم يتخلصوا منه عقب التعويم الأخير للعملة المحلية والذي قاد بسعر الدولار من أقل من 31 جنيها إلى حاجز الخمسين جنيها بتراجع بلغ نحو 60% مرة واحدة.

والأفضل هو أن نترك سوق الصرف وسعر العملات الأجنبية تتحرك بشكل طبيعي ووفق آليتي العرض والطلب ودون تدخل إداري أو حملات إعلامية موجهة، لأن التلاعب بهذا السوق الحساس سواء من قبل الحملات الغامضة أو المضاربين والساعين لتحقيق أرباح سريعة يكون ضرره أكثر من نفعه، وبمثابة إشعال حرائق مصر في غنى عنها حاليا.

المساهمون