مع غزّة: سناء درغموني

16 مايو 2024
سناء درغموني
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأكاديمية والمترجمة المغربية تشارك تجربتها حول تأثير العدوان على غزة على حياتها، معبرة عن شعورها بالذنب وتؤكد على دور الفن والثقافة كأدوات مقاومة وحفظ للهوية.
- تؤكد على أهمية النضال الفكري والثقافي في مواجهة العدوان، مستخدمة الكتابة والترجمة لإيصال أصوات شعراء غزة للعالم، وتشدد على الدور الذي يمكن أن يحدثه الإبداع في التغيير.
- تعبر عن رغبتها في استعادة الإنسانية والتضامن العالمي، متمنية لقاء شخصيات إبداعية مقاومة من الماضي وتوجه كلمات الأمل لأطفال فلسطين وأهالي غزة، مؤكدة على دور المثقفين العرب في هذه الفترة.

تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزّة وكيف أثّر على إنتاجه وحياته اليومية، وبعض ما يودّ مشاركته مع القرّاء. "الفنّ حارس الذاكرة وهذا أكثر ما يخشاه الصهاينة"، تقول الأكاديمية والمترجمة المغربية المُقيمة في إيطاليا لـ"العربي الجديد".



■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- تؤرّقني أمور كثيرة، لكني أظنّ أنّ الهاجس الأكبر الذي يسكنني هذه الأيام هو ترقّب نهاية العدوان وتوقّف الإبادة في أسرع وقت. أشعر بالذنب عند ممارسة أبسط المهام والأنشطة اليومية بكلّ حرّية ويؤلمني شعوري بالقهر وبالعجز تجاه ما يحصل من قتل مُمنهج، ومن تدمير كامل على مرأى ومسمع الجميع. أخشى على العالم أن يعتاد المشهد والخبر، وأن يتعايش مع ازدواجية المعايير وزيف القيم الإنسانية، تلك التي كنّا نُدافع عنها بإيمان وقناعة. الإبادة عرَّت المواقف وكشفتها بوضوح، كما أنها أسقطت كلّ الأقنعة، لكنّ الثمن باهظ جدّاً، فهل العالَم بحاجة إلى كلّ هذه الدماء والأرواح البريئة لكي يصحو؟ وكيف سينظر الإنسان إلى نفسه أولاً ثم إلى أخيه ثانياً بعد نهاية المأساة؟ كيف سيجمع العالَم أشلاءه بعد المحرقة؟ أسئلة وهواجس كثيرة.


■ كيف أثّر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية؟

- بعد بداية العدوان على غزّة، تغيّرت مسارات حياتي الطبيعية وأصبحت أنشطتي اليومية مرتبطة بما يحصل. لا يزال التأثير النفسي قويّاً والألم حاضراً بشدّة، لكنّي أحاول أن أقاوم الشعور بالعجز بتنظيم فعاليات ثقافية والمشاركة في لقاءات ومظاهرات ومعارض فنّية تضامناً مع غزّة وأهلها، أركّز أكثر على ترجمة أعمال شعرية لكتّاب من غزّة يُقاومون ويكتبون تحت القصف وأسعى إلى إيصال أصواتهم قدر المستطاع. أتكلّم عن فلسطين وعن عدالة القضية كلّ يوم في مُحاضراتي ومع طلّابي وفي الشارع وفي كلّ مجالات حياتي، الصغيرة قبل الكبيرة.


■ إلى أي درجة تشعرين بأن العمل الإبداعي ممكنٌ وفعّال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم؟

- للعمل الإبداعي دور على المَديَين القريب والبعيد. على المدى القريب يُساهم النضال الفكري في فضح الجرائم وتوثيقها، أما على المدى البعيد فالأثر يكون أعمق في مقاومة الإبادة، الفنّ بصفة عامّة حارس الذاكرة، والنظام الصهيوني يخاف من ثقافة الآخر، من فنّه، من تاريخه ومن ذاكرته، لذلك يحاول محو الذاكرة الفلسطينية بأبشع الطرق والآليات. أؤمن بأن الجبهة الثقافية مهمّة لأنها تعمل على نشر الوعي وأعرف أنّ النضال الفكري سيثمر ولو بعد حين. لغة الإبداع هي أكثر اللغات وصولاً وتأثيراً على المتلقّي، لأن رمزيتها قادرة على تلخيص المعاناة بشكل مباشر وبسيط. 

أُركّز على ترجمة من يكتب ويُقاوم تحت القصف في غزّة

■ لو قيّض لكِ البدء من جديد، هل ستختارين المجال الإبداعي أم مجالاً آخر، كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني؟

- أظنّ أنّ لكلّ مجال دوره ولكلّ جبهة فعاليتها وأهمّيتها. العمل السياسي مهمّ ومطلوب أكثر من أيّ وقت مضى، العمل الإنساني نبيل، خصوصاً في ظروف كهذه تكاد تنعدم فيها مقوّمات العيش البسيطة، العمل النضالي الجادّ يعمل على تحقيق تغييرات اجتماعية وسياسية، وإن كانت بطيئة، من خلال المقاطعات الاقتصادية والإضرابات والحملات العامّة. لو قيض لي البدء من جديد أظن أنني سأختار المجال الإبداعي وبالخصوص الأدب، لأنّ الكتابة تبقى من أقوى أشكال المقاومة، خاصة عندما تتجاوز وظيفتُها البُعد الجمالي. للكلمة سحر خاص وأثر عميق في الدعوة إلى التغيير والحفاظ على الذاكرة الجماعية واستعادة الحقّ والهوية.


■ ما هو التغيير الذي تنتظرينه أو تريدينه في العالم؟

- ما أريده للعالَم هو أن يسترجع إنسانيته.


■ شخصية إبداعية مقاوِمة من الماضي تودين لقاءها، وماذا ستقولين لها؟ 

- هناك طبعاً شخصيات إبداعية مقاومة عديدة من الماضي أودّ لقاءها. للجواب عن هذا السؤال أختار شخصية رسّام الكاريكاتير ناجي العلي وسأقول له إنّ حنظلة مرآتنا وضميرنا الحيّ. حنظلة هو الطفل الخالد في عالَم يُمارس أبشع أنواع التشريد والقتل والإبادة ضدّ أطفال فلسطين. 


■ كلمة تقولينها للناس في غزّة؟

- يعجز الكلام، لا شيء يُقال للناس في غزّة. غزّة هي ما تبقى من عزّة وكرامة وإنسانية، لذا فلنقف في حضرتها صامتين ولنتعلّم من صمود شعبها.


■ كلمة تقولينها للإنسان العربي في كلّ مكان؟

- لا أحبّ الشعارات، لكنّي آمل أن أرى موقفاً إنسانياً موحّداً يتجاوز الوطنيات وأن يكون هناك دور أقوى للمثقّفين العرب في هذه الفترة التاريخية التي لم نشهد مثلها من قبل، نحتاج إلى مثقّفين ملتزمين أخلاقياً يحملون همومنا ويحترقون من أجل إضاءة طُرقنا المُعتمة، مثقّفين أحرار وعناصر لها خطاب مؤثّر في الوعي الجماعي. يعيش المثقّف العربي اليوم أزمة كبيرة وكأنه صار معزولاً عن العالَم وعن المجتمع، لذلك فقد حان الوقت لتتوحّد كل الصفوف، لأن العالَم العربي في حاجة ملحّة إلى مثقّفيه.


■ حين سُئلت الطفلة الجريحة دارين البيّاع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان، ماذا تريدين من العالم، أجابت "رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي".. ماذا تقولين لدارين ولأطفال فلسطين؟

- إلى الجميلة دارين وإلى أطفال فلسطين أقول ما كتبه محمود درويش "سيجيء يوم آخر، يوم نسائي، شفيف الاستعارة، كامل التكوين"، وأتمنى أن أكون معهم حين يجيء ذلك اليوم.



بطاقة

مُترجمة من العربية إلى الإيطالية وبالعكس، من مواليد مدينة بن أحمد في المغرب عام 1980. حاصلة على دكتوراه في الأدب المقارن من "جامعة بولونيا" عام 2011، وتعمل فيها حالياً أستاذة. صدرت لها كتبٌ في تدريس اللغة العربية، كما ترجمت عدّة مجموعات لشعراء عرب وإيطاليّين؛ من بينها: "سيرة مرضية" (2019) لأشرف فيّاض، و"باب السعادة" (2020) لـ فاليريا دي فيليتشي، و"رأس تداولته القبّعات" (2020) لهادي دانيال، و"على انفراد وقصائد أُخرى" (2021) و"فكرة النهر" (2023) لحسن نجمي، و"قصائد العمى" (2024) للمياء المقدّم، و"لا تعتذر عمّا فعلت" (2024) لمحمود درويش.
 

مع غزة
التحديثات الحية
المساهمون