مدوّنة الأسرة... نقاش ملغوم

مدوّنة الأسرة... نقاش ملغوم

24 ابريل 2024
+ الخط -

في هذا المقال لا أودّ أن أُعطي رأيي في ما يخص القضية المثارة على الرأي العام المغربي، بعد الدعوة التي أطلقها الملك، من أجلِ تعديل مدوّنة الأسرة. فما أودّ الحديث عنه هو النقاش الدائر هذه الأيام على صفحات الجرائد الوطنية، ووسائط الإعلام المختلفة، ومنصّات وسائل التواصل الاجتماعي.

أوّل شيء يمكن أن يُثير انتباه المتتبِّع أنّ هذا النقاش يقسم المجتمع المغربي، أو على الأقل نخبه، إلى فريقين، من يدافع عن المدوّنة الحالية باعتبارها خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، ومن يطرح تعديلات يراها كفيلة بتدارك الثغرات ونقاط القصور التي أبان عنها تطبيق المدوّنة الحالية على أرض الواقع. ويبرز في هذا الصراع تياران، هما "الإسلاميون" و"الحداثيون"، وإن كنت أفضّل استعمال مصطلحي اليمين واليسار، باعتبارهما مصطلحين غير مشحونين أيديولوجيًا. 

الملاحظة الثانية، أنّ هذا النقاش، يحيد (في الكثير من الأحيان) عن الهدف الذي أدى إلى إطلاقه، لينزلق إلى مستوى الاحتراب الإعلامي، يرجو منه كلّ طرف تسجيل نقاطٍ جديدة على الفريق الآخر لترتفع أسهمه لدى الرأي العام المحلي، والخطير أنّ الطرفين لا يتوانيان (خاصة الأطراف المتطرّفة من الجانبين)، عن استعمال الأسلحة الثقيلة، لدكِّ تحصينات الطرف الثاني.

إنّ هذا النقاش حسب ظني ملغوم أولًا، لأنّه يخلق حالة من الانقسام الحاد داخل المجتمع، وثانيًا مغلوط لأنّه لا يمسّ جوهر المشكل. أعتقد أنّ المشكل يكمن في شكل الدولة التي نريد، هل نريد دولة دينية أم نريد دولة مدنية، أم دولة هجينة تجمع بين النموذجين؟ هذا السؤال يدفعنا إلى التفريق بين المقصود بالدولة المدنية والدينية.

يكمن المشكل في شكل الدولة التي نريد، هل نريد دولة دينية أم نريد دولة مدنية، أم دولة هجينة تجمع بين النموذجين؟

فالدولة الدينية هي التي يحكم فيها رجال الدين باعتبارهم الوحيدين المخوّلين تأويل النص المقدّس، ويكون مجموع الأفراد داخل هذه الدولة رعايا يحتكمون للقوانين التي يضعها هؤلاء.

وأمّا الدولة المدنية، فهي دولة المواطنين الذين يسنون القوانين بشكلٍ مباشر عن طريق الاستفتاء، أو بشكلٍ غير مباشر، عن طريق ممثلين يُنتخبون عن طريق الاقتراع العام بشكل دوري.

لا أعتقد أنّ السياقين، الوطني أو الدولي، يسمحان باعتماد أيّ من النموذجين، وبالتالي فإنّ السليم هو الوصول إلى نوعٍ من التوافق حول نموذجٍ يسمح لنا بالمضي قدمًا في تعزيز ركائز الدولة المدنية باعتباره مطلبًا ملحًا للشركاء الدوليين للمغرب، دون إحداث قطيعة جذرية مع نموذجنا الأصيل باعتباره يشكّل أحد الروافد الأساسية لهُويّتنا الوطنية الجامعة، وكذلك لكي لا تختل توازنات مجتمعية أخذت الكثير من الوقت لكي تستقر على أرض هذا الوطن المشترك.

 أمّا المناوشات التي يخوضها الفريقان، فهي من قبيل حوار الطرشان وهي لا تفيد في أيّ شيء، إلا المزيد من تعقيد المشهد السياسي والمزيد من الاحتقان الاجتماعي المُفضي لا محالة إلى المزيد من التمزّقات الخطيرة على مستوى النسيج الاجتماعي الهش أصلًا.

وبالتالي المرجو من الفريقين المتناحرين تغليب مصلحة البلاد على اصطفافاتهم المذهبية والأيديولوجية، والوصول إلى نوعٍ من التوافقات، تُجنّب الوطن أزمات إضافية، هو في غنى عنها بكلّ تأكيد.